يَفْطِنُ لِمَعْنَاهُ وَلَا يَدْرِي، وَنَحْنُ نَكْتَفِي مِنْهُ بِاليَسِيرِ الأَدْنَى؛ حَتَّى تَقَعَ عَلَى الفَرْحَةِ الكُبْرَى.
فَلَمْ يَزَلْ هَذَا المُعَارِضُ يُلَجْلِجُ بِأَمْرِ القُرْآنِ فِي صَدْرِهِ حَتَّى كَشَفَ عَنْ رَأْسِهِ الغِطَاءَ، وَطَرَحَ جِلْبَابَ الحَيَاءِ، فَصَرَّحَ وَأَفْصَحَ بِأَنَّهُ [٦٦/ظ] مَخْلُوقٌ، وَأَنَّ من قَالَ: غيرمَخْلُوقٍ؛ كَافِرٌ -فِي دَعْوَاهُ-، فَلَمْ يَتْرُكْ لِمَتَأَوِّلٍ عَلَيْهِ مَوْضِعَ تَأْوِيلٍ، وَلَا لِمُسْتَنْبِطٍ عَلَيْهِ مَوْضِعَ اسْتِنْبَاطٍ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ كَافِر عِنْدَهُ؛ فَالَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مُؤْمِنٌ مُوَفَّقٌ رَاشِدٌ، تَابِعٌ لِلْحَقِّ.
فَحِينَ نَكْشِفُ عَنْهُ لِلنَّاسِ إِرَادَتَهُ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِهَا عِبَارَتُهُ، سُقِطَ فِي يَدِهِ وَكُسِرَ فِي دِرْعِهِ، فَادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ بِالإِكْفَارِ إِلَى مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ كَلَامَ اللهِ ذَلِكَ بِفَم وَلِسَانٍ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، يُسْأَلُونَ عَنِ الكَلَامِ؟ فَإِنِ ادَّعوا فَمًا وَلِسَانًا؛ فَهُوَ كُفْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ أَمْسَكُوا عَنِ الجَوَابِ فِيهِ؛ كَانُوا بِإِمْسَاكِهِمْ أَنْ يَدَّعُوا فَمَا وَلِسَانًا؛ جَهْلٌ لَا يُعْذَرُونَ بِهِ.
فَيُقَالُ لِهَذَا المُعَارِضِ المُحْتَجِّ بِالمُحَالِ مِنَ الضَّلَالِ: قد تَفَلَّتَتْ مِنْكَ الكَلِمَةُ بِلَا تَفْسِيرٍ، وَلَا بِحَضْرَةِ مَنْ تَدَّعِي عَلَيْهِ فَمَا وَلِسَانًا، أوَ تَقْدِرُ أَنْ تُشِيرَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ الله أَنَّهُ يَتَوَهَّمُ ذَلِكَ؟ فَتَعَلُّقُكَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ اليَوْمَ مِنْكَ مُوَارَبَةٌ وَاعْتِذَارٌ مِنْكَ إِلَى الجُهَّالِ؛ كَيْلَا يَفْطنُوا لِمُرَادِكَ مِنْهَا.
وَلَئِنْ كَانَ أَهْلُ الجَهْلِ فِي غَلَطٍ مِنْ مُرَادِكَ؛ إِنَّا مِنْهُ لَعَلَى يَقِينٍ، وَلَئِنْ جَازَ لَكَ هَذَا التَّأْوِيلُ؛ إِذًا يَجُوزُ لِكُلِّ زِنْدِيقٍ وَجَهْمِيٍّ أَنْ يَقُولَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ كَلَامُ اللهِ؛ فَهُوَ كَافِرٌ.
فَإِذَا وُبِّخَ، وَوُقِفَ عَلَى دَعْوَاهُ قَالَ: إِنَّمَا قَصَدْتُ بِالكُفْرِ قَصْدَ مَنْ يَدَّعِي بِهِ فَمًا وَلِسَانًا. وَهُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُشِيرَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ أَنَّهُ قَالَهُ.
فَلَمْ يَنَلِ المُعَارِضُ عِنْدَ النَّاسِ بِاعْتِذَارِهِ عُذْرًا، بَلْ حَقَّقَ بِمَا فسَّر، وَأَكَّدَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute