للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ أَنَّهُ كَلَامُ المَخْلُوقِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: يُسْأَلُ مَنْ قَالَ: كَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. فَإِن ادَّعَوْا فَمًا وَلِسَانًا؛ لَقَدْ كَفَرُوا، وَإِنْ أَمْسَكُوا عَنِ الجَوَابِ فَقَدْ جَهِلُوا، وَلَمْ يُعْذَرُوا، لِمَا أَنَّ الكَلَامَ كُلَّهُ -فِي دَعْوَاهُ- لَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى إِلَّا بِفَمٍ وَلِسَانٍ، وَخُرُوجٍ مِنْ جَوْفٍ، مَنْ لَمْ يَفْقَهْ ذَلِكَ فَهُوَ عِنْدَ المُعَارِضِ جَاهِلٌ.

فَإِنْ كَانَ كَمَا ادَّعَى فَقَدْ حَقَّقَ أَنَّهُ كَلَامُ البَشَرِ لَمْ يَخْرُجْ -بِزَعْمِهِ- إلَّا مِنَ الأَجْوَافِ وَالألسُنِ وَالأَفْوَاهِ المَخْلُوقَةِ- تَعَالَى الله عَنْ هَذَا الوَصْفِ وَتَكَبَّرَ-؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ المَلِكِ الأَكْبَرِ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى خَيْرِ البَشَرِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا عَدَدَ مَنْ مَضَى وَغَبَرَ، وَعَدَدَ التُّرَابِ وَالرَّمْلِ وَأَوْرَاقِ الشَّجَرِ.

ثُمَّ قَفَّى المعَارِضُ بِكِتَاب آخَرَ كَالمُعْتَذِر لِمَا سَلَفَ مِنْهُ، مُصَدِّقًا لِبَعْضِ مَا سَبَقَ مِنْ ضَلَالَاتِهِ، مُكَذِّبًا لِبَعْضٍ، يُرِيدُ أَنْ يَنَلَ عِنْدَ الرِّعَاعِ لِنَفْسِهِ فِي زَلَّاتِهِ وَسَقَطَاتِهِ عُذْرًا، فَلَمْ ينلْ بِهِ عُذْرًا؛ بَلْ أَقَامَ عَلَى نَفْسِهِ حُجَّةً بَعْدَ حُجَّةٍ، وَكَانَتْ حُجَّتُهُ الَّتِي احتجَّ بِهَا فِي كِتَابِهِ أَعْظَمَ مِنْ جُرمِهِ.

وَهكَذَا البَاطِل مَا ازْدَادَ المَرْءُ له احْتِجَاجًا؛ إِلَّا ازْدَادَ اعْوِجَاجًا، وَلِمَا خَفِيَ مِنْ ضَمَائِرِهِ إِخْرَاجًا.

فَادَّعَى أَنَّ مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَمَنْ قَالَ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وهُوَ يَعْنِي أَنَّهُ اللهُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ قَالَ: هُوَ غَيْرُ الله فَهُوَ مُصِيبٌ، ثُمَّ إِنْ قَالَ بَعْدَ إِصَابَتِهِ إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؛ فَهُوَ جَاهِلٌ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ جِسْمٍ فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ فَهُوَ كَافِرٌ.

قَالَ: وَالكَلَامُ غَيْرُ المُتَكَلِّمِ، وَالقَوْلُ غَيْرُ [٦٧/و] القَائِلِ وَالقُرْآنُ، وَالمَقْرُوءُ وَالقَارِئُ كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا لَهُ مَعْنًى.

فيُقال لِهَذَا المُعَارِضِ: مَا أَثْبَتَّ بِكَلَامِكَ هَذَا الأَخِيرِ عُذْرًا، وَلَا أَحْدَثْتَ مِنْ ضَلَالَتِكَ بِهِ تَوْبَةً، بَلْ حَقَّقْتَ وَأَكَّدْتَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِتَمْوِيهٍ وَتَدْلِيسٍ، وَتَخْلِيطٍ

<<  <   >  >>