للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَرِهْنَا الخَوْضَ فِيهِ، وَإِذَاعَةَ نَقَائِضِهِ (١) حَتَّى أَذَاعَهَا المُعَارِضُ فِيكُمْ، وَبَثَّهَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَخَشِينَا أَلَّا يَسَعَنَا إِلَّا الإِنْكَارُ عَلَى مَنْ بَثَّهَا، وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا، مُنَافَحَةً عَنِ الله، وَتَثْبِيتًا لِصِفَاتِهِ العُلَى وَلِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى، وَدعَاءًا إِلَى الطَّرِيقَةِ المُثْلَى، وَمُحَامَاةً عَنْ ضُعَفَاءِ النَّاسِ، وَأَهْلِ الغَفْلَةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالصبيان أَن يضلوا بهَا، ويَفْتَتِنُوا؛ إِذْ بَثَّهَا فِيهِمْ رَجُلٌ كَانَ يُشِيرُ بَعْضُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ فِقْهٍ وَبَصَرٍ، وَلَا يَفْطنُون لِعَثَرَاتِهِ إِذْ هُوَ عَثَرَ، فَيَكُونُوا مِنْ أَخَوَاتِهَا مِنْهُ على حَذَرٍ.

(٢) وقد كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ (٢) أَنَّهُ سَمِعَ عِيسَى بْنَ يُونُسَ (٣) يَقُولُ: «لَا تُجَالِسُوا الجَهْمِيَّةَ، وَبَيِّنُوا لِلنَّاسِ أَمْرَهُمْ؛ كَيْ يَعْرِفُوهُمْ، فَيَحْذَرُوهُمْ».

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: افْتَتَحَ هَذَا المُعَارِضُ كِتَابَهُ بِكَلَامِ نَفْسِهِ مُثَنِّيًا بِكَلَام المَرِيسِيِّ، مُدَلِّسًا عَلَى النَّاسِ بِمَا يَهمُ أَنْ يَحْكِيَ وَيُرِي مَنْ قِبَلَهُ مِنَ الجُهَّالِ وَمَنْ حَوَالَيْهِ مِنَ الأَغْمَارِ، أَنَّ مَذَاهِبَ جَهْمٍ وَالمَرِيسِيِّ فِي التَّوْحِيدِ؛ كَبَعْضِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الإِيمَانِ فِي القَوْلِ وَالعَمَلِ، وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَكَاخْتِلَافِهِمْ فِي التَّشَيُّعِ وَالقَدَرِ، وَنَحْوِهَا؛ كَيْ لَا ينفرُوا مِنْ مَذَاهِبِ جَهْمٍ وَالمَرِيسِيِّ أَكْثَرَ مِنْ نُفُورِهِمْ مِنْ كَلَامِ الشِّيعَةِ والمُرْجِئَةِ والقَدَرِيَّةِ.

وَقَدْ أَخْطَأَ المُعَارِضُ مَحَجَّةَ السَّبِيلِ، وَغَلَطَ غَلَطًا كَثِيرًا فِي التَّأْوِيلِ، لما أَنَّ هَذِهِ الفِرَقَ لَمْ يُكَفِّرْهُمُ العُلَمَاءُ بِشَيْءٍ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ، وَالمَرِيسِيُّ وَجَهْمٌ وأصحابُهم؛ لَمْ يَشُك أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي إِكْفَارِهِمْ.


(١) كتبها في الأصل «تفاصيله» ثم عدلها إلى «نقائضه».
(٢) علي بن خشرم بمعجمتين على وزن جعفر: ثقة توفي ٢٥٧ هـ، ينظر تقريب التهذيب.
(٣) هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو أحد الأعلام في الحفظ والعبادة، توفي ١٨٧ هـ، ينظر التقريب.

<<  <   >  >>