كان أحد الخصمين ذميًا فهل يرجح المسلم عليه في المجلس أم لا؟ قولان: أحدهما: أن المسلم يتقدمه في المجلس بالشيء اليسير، وفي كتاب ابن حبيب يسوي بينهما (وإن كان أحدهما ذميًا). وحكى الإمام أبو عبد الله، قال: أخبرني شيخي عبد الحميد الصائغ، قال: كانت في بني إسرائيل عجائب منها إذا مات الحاكم فيهم تركوه في بيت، فإذا افتقدوه من الغدو، وجدوا أمارة تدل على حال، فمات قاض من قضاتهم ففعلوا به ذلك، فلما أصبح دخل عليه أخوه، فرأى ذباب تدخل من إحدى أذنيه، وتخرج من الأخرى فأرعب لذلك، فلما نام رآه في المنام فسأله عن ذلك، فقال: يا أخي تحاكم إلي خصمان فأصغيت إلى أحدهما أكثر من الآخر فعاقبني الله بما تراه.
واختلف الفقهاء في جلوس أهل العلم معه، فقال ابن المواز: لا (أحب أن) يقضي إلا بحضرة أهل العلم ومشاورتهم وهو قول أشهب، وكان عثمان بن عفان إذا جلس للقضاء أحضر أربعين من الصحابة، ثم استشارهم، فإذا رأوا ما رآه أمضاه، ومنع ذلك مطرف وابن الماجشون قالا: ولكن إذا ارتفع عن مجلس القضاء استشارهم لأنه قد يكون حضورهم سببًا لحصن يدركه، ولا يجلس إلا بمحضر عدول السماع إقرار الخصوم، ويفرد النساء عن الرجال بالخصومة، ويجعل لهن وقت لا يخالطهن فيه الرجال.
قوله:"ولا يحكم بعلمه في شيء من الأشياء لا فيما علمه قبل ولايته ولا بعدها لا في مجلسه ولا غيره". وهذا الأصل قد اختلف فيه المذهب اختلافًا مشهورًا والمعتمد عليه من مذهب مالك أنه لا يقضي بعلمه في شيء من الأشياء على الإطلاق، إلا في التزكية والجرحة، فيقبل شهادة من علمه