والدليل الثالث: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلى فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحوها أسمع) الحديث.
والدليل الرابع: قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث هلال بن أمية لما لاعن زوجته إن جاءت به على نعت كذا، فهو لهلال، وإن جاءت به على نعت كذا فهو لشريك (فجاءت به على النعت المكروه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة لرجمتها) فقد علم -صلى الله عليه وسلم- (أنها زنت لإخباره أنها إن جاءت به على نعت كذا فهو لشريك) ثم لم يحكم بالحد لعدم البينة، وعند المخالف يجب أن يرجمها إذا علم بذلك.
فإذا بنينا على المشهور عندنا أنه لا يحكم بعلمه لا في مجلسه ولا غيره فسمع إقراره الخصم في مجلسه فإنه يرفع ذلك إلى من هو فوقه، وهل يرفع إلى من هو تحته أم لا؟ قولان في المذهب. وفي كتاب محمد عن مالك لا تقبل شهادة القاضي فيما أقر به الخصم عنده في حين المحاكمة، وإنما يرفع شهادته فيما عنده في غير مجلس الحكم، وأما في مجلس الحكم فلا تقبل فيه شهادته، ولا يرفع إلى غيره. قال الشيخ أبو الحسن: وأما ما كان من العلم قبل أن يجلس الخصمان للحكومة جاز أن يرفع شهادته، واختلف في قبول شهادته فيما أقر به عنده في (غير) المحاكمة، ورأى أن تقبل إذا لم يكن