أبي يوسف ما احتج به مالك -رحمه الله- رجع عن قوله إلى قول مالك، واعتقد صحة ما رأى، واعتمد في ذلك على ما اعتمد عليه مالك -رحمه الله-. ونبه القاضي بقوله:"من غير حاجة إلى حكم" على مذهب أبي حنيفة، ويجوز في المحوز (وغير المحوز) أعني المشاع والمقسوم عندنا خلافًا لأبي حنيفة وأبي يوسف حيث منعاه في المشاع كما منعا رهن المشاع فيجوز عندنا في الديار والحوانيت والحوائط والمساجد والمصانع والآبار، والقناطر والمقابل والطرق وغير ذلك، فأما المنقولات كالحيوان والعروض. فحكى القاضيان أبو الحسن وأبو محمد في جواز تحبيسها روايتين المشهور صحة ذلك، وهو مذهب المدونة، والشاذ منعه. قال القاضي أو محمد: ومن أصحابنا من يقول: إن تحبيس الخيل جائز بلا خلاف، لأنها تراد في سبيل الله، وإنما الخلاف في تحبيس غيرها، وفي كتاب محمد استثقل مالك تحبيس الحيوان، وقال في رجل حبس غلامًا على رجل وعقبه قال: أكرهه لأنه ضيق على الغلام، لأنه قد يرجى عتقه، ولعل هذه الكراهية في العبيد والإماء دون غيرهم، ولا يجوز توقيف الطعام، لأن منفعته في استهلاكه، وتوقيف الأشجار للانتفاع بثمرها، والبقر والغنم والإبل لألبانها ومنافعها.
قوله:"وعلى رواية الجواز يباع ما يخشى عليه التلف ويستبدل به ولا يباع الرباع بوجه": قلت: اختلف المذهب في الحبس إذا تعطلت منافعه، وذهب الانتفاع به هل يباع أم لا؟ على ثلاثة أقوال: أحدها: جواز بيعه مطلقًا عقارًا كان أو غيره من سائر الممتلكات. والثاني: أنه يباع مطلقًا. والثالث: أنه يباع كل شيء ما عدا العقار، لأنه وإن خرب فيمكن إحياؤه