كالسفر": قد ذكرنا أن تسمية القاضي قطع التتابع وقطع النية حكم فيه تأمل، وإنما لاحظ في ذلك أنه إذا قطع التتابع بغير عذر، وجب عليه الابتداء، أو حرم النية فهو حكم يوجب الابتداء وامتناع البناء، وجعل السفر عذرًا اختياريًا لا يعتبر مع الأعذار التي ذكر، وقد تقدم الخلاف في ذلك في صيام التطوع، وأما السهو والمرض وخطأ العدة والحيض بأكله بقيته.
قوله: "وأما قطع النية فهو إفساد الصوم أو تركه على الإطلاق": وأشار بالإفساد إلى خرمه بوجه مفسد بعد انعقاده (وأشار) بقوله: "أو تركه على الإطلاق" إلى من يعقده (البتة)؟، وهذا القسم فيه نظر، لأن الترك المطلق لا يصدق على قطع النية، وكلام القاضي يقتضي حمله عليه، فلو قال القائل: قطع النية ترك الصوم لكان الكلام غير مفهوم البتة، وكذلك ليس إفساد الصوم أيضًا هو غير قطع النية، بل القطع فعل المكلف، والإفساد حكم شرعي مترتب على المكلف.
قوله: "ولا يقطع استدامتها وإنما يقطع استصحاب ابتدائها": إشارة إلى أن الأعذار التي هي المرض، والسفر، وإن كانت مانعة من (انحتام) مانع عقد الصوم فهي لا تمنع استدامته، لأن للمريض والمسافر أن يصوما (إنذارًا) لفعل الصوم، وتحملًا للمشقة في طاعة الله، غير أنهما إذا اختارا الصوم لزمهما تجديد النية وقطع هذا العذر استصحاب ابتداء النية المتصلة في جميع الشهر كما في حق الحاضر، ومن لا عذر له من المكلفين، فيلزم المريض والمسافر تجديد كل ليلة، لأن العذر مانع لهما من استصحاب النية الأولى، والضمير في قوله: "ولا يقطع" عائد على العذر الذي هو المرض والسفر.