كان على الفور لما أخره، عنه الحنفية بأنه -عليه السلام- إنما أخره بتوجيه من الله، إذ كان مشتغلًا بالدعاء إلى الله، وتقرير التوحيد، والإرسال إليه، فأخره لاضطرار العارض، وأحسن السنتين كالزيادة في تأخيره والثلاثة إلا رضا الأبوين، ومنها أنه كان مصدودًا في غالب أحواله، لأن المشركين قد استولوا على مكة حتى أظهر الله أمره، فكان تأخيره -عليه السلام- بعذر، وقد رد الحنفية ذلك من طريق المعنى والقياس المشهور، وذلك أنهم قالوا: كما لا يجوز تأخير الصلاة حتى يذهب وقتها، كذلك لا يجوز تأخير الحج وقت وجوبه على العام الذي توجب فيه التكليف وتحقق في وجوبه على المكلف سيما أن الحياة إلى العام الثاني محتملة. وقال القاضي:"هذا استحسان، ورفق لصعوبته وموضع الاجتهاد في استطاعته" إشارة إلى استحسان التأخير لتعارض النظر والاجتهاد في تحقيق الاستطاعة المشترطة في الوجوب حتى لو تحصلت تحقيقًا لما كان إلى التأخير سبيل، فلما كان موضع اجتهاد، وكان حصولها غير متيقن، جاز التأخير المذكور.
قوله:"ومن مات قبل أن يحج لم يلزم الحج عنه": وهذا كما ذكره، وهو صريح مذهب مالك. وقد قسم العلماء العبادات على ثلاثة أقسام: مالية محضة، فالنيابة فيها جائزة إجماعًا، وبدنية محضة فالنيابة فيها ممنوعة كالصوم، ومركبة من المال والبدن كالجهاد والحج، وهذا قد اختلف في جواز النيابة فيه في الفرض. وأجمع العلماء كافة على جواز النيابة في حج التطوع.
وتحصيل مذهب مالك -رحمه الله- أن المستنيب في الحج إما أن يكون حيًا،