أخذ ما أرسل عليه من غير أن يراه ويعينه فهو جائز، وأكله مباح بناء على عدم وجوب التعيين، وكذلك لو رأى الصائد الجارح يضطرب، ولم يبصر شيئًا بناء على الاضطراب هل يكتفي بذلك أم لا؟ فيه قولان كما ذكرناه.
قوله:«وإذا بان من الصيد عضو أو بضعة يعيش مع مفارقتها، لم يؤكل وأكل سائره»: هذه المسألة قد اختلف الفقهاء فيها، فقالت طائفة من الفقهاء يؤكلان جميعًا، وقال قوم: يؤكل الصيد دون ما بان منه، وفرق قوم بين أن يكون ذلك العضو مقتلًا فيؤكلان جميعًا، أو غير مقتل فيؤكل الصيد دون العضو.
وتحصيل مذهب مالك في ذلك: أن العضو إما أن يكون مقتلًا، أو غير مقتل، فإن كان غير مقتل فلا يخلو أن يكون موته بمعنى غير القطع كالصيد إذا قطع نصفه فلا يمكنه الأكل فيموت جوعًا، فإنه لا يؤكل واحد منهما (لا الصيد) ولا العضو البائن عنه، وإن كان غير مقتل، وكان موته بالقطع أكل الصيد دون العضو البائن، فإن كان العضو البائن مقتلًا فلا يخلو أن يكون الباقي كالبائن، أو أقل منه، أو أكثر، فإن كان الباقي أكثر من البائن أكل الباقي، وهل يؤكل البائن أم لا فيه قولان. أما من قال: يؤكل الجميع وهو الذي حكيناه أولًا عن طائفة من الفقهاء، فاحتج بظاهر قوله تعالى:{تناله أيديكم ورماحكم} وظاهر قوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم} ومقتضاهما التسوية بين البائن والباقي. وأما من قال: إن البائن لا يؤكل فاحتج بقوله -عليه السلام-: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة). وأما من فرق بين أن يكون العضو مقتلًا، أو غير مقتل، وهو أصل مذهب مالك، فاعتبر الحياة، لأنه إذا كان ذلك