والقسم الثاني: الماء الخاص وهو المصون في الأواني، أو في الآباء الممتلكة بالحر أو بالشراء، فهذا من جملة الأملاك التي يختص بها مالكها ولا يتصرف فيها غيره إلا بإذنه.
والقسم الثالث: المتردد بين الخاص والعام، وهو ماء (البئر) المحتقرة في الفيافي والبوادي للماشية، فلا يباع ولا يورث، وحافرها أحق (بقدر كفايته)، وعليه إرسال فضلته وورثه حافرها بمنزلته، والعادة تشهد في مثل هذا، لأن حافره إنما يحفره (لتشرب) ماشيته، ويتصدق بما فضل من مائة على من احتاج من مسافر أو مقيم إلا أن ينص حين الحفر على التمليك التام، ويشهد بذلك فلا سبيل عليه، وإذا وقعت الضرورة وتبينت الحاجة كان المسافر أولى من المقيم بالماء الذي فضل عن صاحبه لإضرار المسافر. وروي ابن وهب عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال:(لا يقطع طريق ولا يمنع فضل ماء ولا ابن السبيل على شربه للدلو والرشا والحوض، ويخلي بينه وبين الدلو فيستقي، ولا يلزم الاستقاء له)،وفي الأثر: أن أبناء السبيل اقتتلوا مع أهل الماء وجرحوهم فأهدر عمر -رضي الله عنه- جراحات أهل الماء وأغرمهم جراحات ابن السبيل، وقال: ابن السبيل أولي الماء من الساقي عليه، وهو مقتضي المصلحة والله أعلم.
وحكي القاضي قولين فيهما، وإذا أوجبنا على الجار أن يبذل فضل مائة المملوك لزرع جاره الذي خيف عليه الهلاك، هل يقضي عليه ببدل الفضلة بالثمن، أو بغير ثمن قولان مبنيان على اعتبار المصالح، وإنما يقضي عليه لزرع جاره الذي خيف هلاكه عطشًا إذا كان جاره قد زرع على أصل ماء ثم انهارت بئره، فأما إن زرع اتكالاً على فضل ماء جاره فلجاره المنع، إذا لا ضرورة حينئذ.