للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما كان التعجب معنى من المعاني اقتضى القياس أن يوضع له حرف يدل عليه كحرفي الاستفهام والنفي الدالين عليهما؛ إلا أنهم عدلوا عن هذا القياس إلى غيره من الوضع مما اقتضته حكمة اللغة أيضًا بأن جعلوا (١) للتعجب صيغتين مخصوصتي اللفظ، تدلان عليه من غير احتياج إلى حرف معنى، وتانك الصيغتان ما أفعله به، كقولك: ما أحسنه وأحسن به.

فأما ما أفعله، فإن "ما" فيه اسم مبهم غير موصول ولا موصوف، بمعنى شيء في قول سيبويه (٢)، وهي مرفوعة بالابتداء، و"أحسن" في قولك ما أحسنه فعل ماض، صيغته صيغة المضي، وهو دال على معنى موجود مستقر في الحال، ولهذا المعنى جمد ولم يتصرف، وعد في جملة الأفعال الجوامد.

وقيل: بل لدلالته على المعنى الذي كان القياس أن يوضع له حرف يدل عليه، وفي الفعل ضمير يرجع إلى "ما" وهو فاعله، والمتعجب منه منصوب على أنه مفعول به، والجملة من الفعل والضمير الذي فيه والمفعول-وهو المتعجب منه-في موضع رفع لكونها خبرًا للمبتدأ (٣)، وهو ما. وتمثيل اللفظ شيء أحسن هو زيدًا. هذا مذهب صاحب الكتاب في هذا اللفظ، وإنما حملها-أعني "ما"-على أنها غير موصولة ولا موصوفة لأن الصلة والصفة توضحان الاسم الذي تجيئان صلة له أو صفة، وتبينانه بيانًا أي بيان، والتعجب باب إبهام وخفاء، ولهذا عدلوا فيه (٤) عن لفظة "شيء" إلى لفظة


(١) ((في (ج): وذاك بأن جعلوا الدلالة على معنى التعجب مأخوذة من نفس صيغة الجملة المعبر بها عنه، وذاك أيضًا غاية في البيان عنه، فكان له عندهم صيغتان محصوصتا اللفظ ..
(٢) ((انظر الكتاب ١/ ٣٧، المقتضب ٤/ ١٧٥.
(٣) ((في (ب) لمبتدأ.
(٤) ((في (ب) به.

<<  <   >  >>