كبقية المفعولات حين قالوا: مفعول فيه وبه وله ومعه.
فالفعل يقتضيه لتضمنه حروفه ودلالته عليه في المعنى؛ ألا ترى أن قولك: ذهب زيد في معنى قد كان منه ذهاب، فلما قويت دلالته عليه تعدت جميع ضروبه، أعني الفعل، من لازم ومتعد، إلى جميع ضروب المصدر من مبهم ومختص ومعروف ومنكر، كقولك: قمت قيامًا، وضربت ضربًا وذهبت الذهاب؛ وسرت سيرًا شديدًا، وجلدته عشرين سوطًا، والأصل في هذا المثال: جلدته جلدًا ذا عشرين سوطًا، ثم حذفت الموصوف وأقمت الصفة
مقامه، وحذفت المضاف واثبت المضاف إليه منابه، فاكتسى إعرابه، إذ سدمسده.
وكذلك لو لم تذكر العدد لجاز أن تتوسع، فتنصب الآلة، وهي السوط الذي به حصل الضرب نصب المصدر كقولك: ضربته سوطًا وسوطين، والمعنى ضربته ضربة بسوط، وتقدير اللفظ: ضربته ضربة ذات سوط، فنزل التنزيل المذكور في المثال المذكور قبله، وكذلك المصدر المضاف، كقولك: ضربته ضرب زيد عمرًا، والأصل ضربته ضربًا مثل ضرب زيد عمرًا، فجرى على الكلام من الحذف، وإقامة لفظ ما ذكرنا، والأصل ضربته ضربًا مثل ضرب زيد عمرًا، ففعل به ما أريناه في المثال الأول، قال أبو علي:"لأني قد أفعل مثل فعل غيري ولا أفعل فعله"، يريد الاتساع الذي ذكرنا من الحذف، قال: ومثل ذلك-يعني الحذف-قولهم في صريح الطلاق: أنت واحدة، وتقديره أنت ذات تطليقة واحدة، فحُذف المضاف، وهو ذات، وأقيم المضاف إليه مقامه فصار اللفظ: أنت تطليقة واحدة، ثم حُذف الموصوف، وهو تطليقة، وأقيمت الصفة مقامه فصار الكلام أنت واحدة.
وكل ذلك ثقة بأن المعنى مفهوم، إذ ليس الإخبار عن المرأة بأنها واحدة كيف؟ ولا يجوز أن يُتوهم أنها سوى ذلك فيُعلمه.