للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن أحدنا لَيقْدِم على ما يحسن، وعلى الذي يعلم أنه به مضطلع، ثم يرى بعد التدبر أنه أسقط من حسابه أشياء، كان العقل يوجب عليه فيها أن يتثبت، فإذا هو يعود إلى ما أقدم عليه؛ فينقضه نقض الغزل.

ومن آفة العلم في فن من فنونه، أن يحمل صاحبه على أن ينظر إلى رأيه نظرة المعجب المتنزه، ثم لا يلبث أن يفسده طول التمادي في إعجابه بما يحسن من العلم، حتى يقذفه إلى اجتلاب الرؤى فيما لا يحسن، ثم لا تزال تغيره عادة الإعجاب بنفسه حتى ينزل ما لا يحسن منزلة ما يحسن، ثم يصر، ثم يغالي، ثم يعنف، ثم يستكبر، ثم إذا هو عند الناس قصير الرأي والعقل على فضله وعلمه (١) .

ولقد كان الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- يراعون هذا الأدب الحكيم؛ فما كانوا يتكلمون في كل شيء، بل كانوا يراعون المكان، والزمان، والحال، ويراعون العقول، والأفهام، ومراميَ الكلام.


(١) مجلة الرسالة عدد ٥٦٢ إبريل ١٩٤٤، وانظر جمهرة مقالات محمود شاكر ١ / ٢٥٨ إعداد د. عادل سليمان جمال.

<<  <   >  >>