للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تنبيه لمن يسلك طريق الغلظة والشدة]

تنبيه:

هنا دقيقة عظيمة مهمة قلّ من ينتبه إليها: وهي أنه ينبغي لمن يسلك طريق الغلظة والشدة أن يكون قصده بذلك رجوع العاصي عن تلك المعصية، لا الانتصار لنفسه لكون العاصي ردّ كلامه أو استهزأ به، فإن الداعية قد يكون مخلصًا في ابتداء الإنكار فإذا رد كلامه العاصي واستهزأ به، ثارت وأغلظ في الكلام، وقد يقع في الفحش والكذب واللعن والضرب، وقد يستعدي عليه الحاكم فيسجنه أو يعزره، وقد يسترسل به الغضب إلى الخروج إلى الكلام في حق العاصي بما لا يجوز له مما هو كذب في نفس الأمر، أو باطل أو فاحش.

وهذا الصنيع في الحقيقة انتصار للنفس لا غضب لله ولمحارمه، فيخرج بهذا عن دائرة الإخلاص، ويقع في هوَّة الغضب والحمق المنهي عنه، فتنعكس الحال في حقه، ويصير ممن يجب الإنكار عليه، بعد أن كان منكرًا على غيره، ومثاله في هذا مثل من يغسل الدم من ثوبه بالبول، وهذه مسألة ينبغي أن ينتبه لها من يستعمل هذه الطريق في تغيير المنكر (١) .


(١) انظر «تنبيه الغافلين» ص ٣٩.

<<  <   >  >>