أحدهما: أن يكون من جهتهم أمر إلزام، لا إكرام، وعلم أنه لو امتنع أوذي.
والثاني: أن يدخل عليهم في دفع الظلم عن مسلم، فذلك رخصة بشرط أن لا يكذب، ولا يدع نصيحة يتوقع لها قبولا).
ثم قال:(فإن قلت: فلقد كان علماء السلف يدخلون على السلاطين فأقول: نعم تعلم الدخول منهم، ثم أدخل عليهم! فقد حكي: أن هشام بن عبد الملك، قدم حاجا إلى مكة فلما دخلها قال: ائتوني برجل من الصحابة) فقيل: يا أمير المؤمنين! فقد تفانوا قال: من التابعين. فأتي بطاوس اليماني فلما دخل عليه، خلع نعليه بحاشية البساط، ولم يسلم بإمرة المؤمنين، ولكن قال:(السلام عليك يا هشام!) ولم يكنه وجلس بإزائه وقال: (كيف أنت يا هشام!) فغضب هشام غضبا شديدا حتى هم بقتله وقال له: (ما حملك على ما صنعت؟!) قال: (وما الذي صنعت؟!). فازداد غضبا وغيظا، فقال:(خلعت نعلك بحاشية بساطي، وما قبلت يدي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين، ولم تكنني وجلست بإزاي بغير إذن، وقلت: (كيف أنت يا هشام؟) فقال: أما قولك: (خلعت نعلي، بحاشية بساطك، فأنا أخلعها بين يدي رب العالمين كل يوم خمس مرات ولا يعاقبني ولا يغضب علي. وأما قولك: (لم تقبل يدي فإني سمعت علي بن أبي طالب قال: (لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد، إلا امرأته بشهوة أو ولده برحمة). وأما قولك: لم تسلم بإمرة المؤمنين، فليس كل الناس راض بإمرتك، فكرهت أن أكذب.
وأما قولك: لم تكنني فإن الله تعالى سمى أولياءه وقال: يا داود، يا يحيى، يا عيسى وكني أعداءه فقال:(تَبَّت يَداَ أَبي لَهَبٍ)(٢٠) وأما قولك: جلست بإزائي فإني سمعت علي بن أبي طالب يقول: (إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، انظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام)