والسيوطي في هذه الرسالة ينصح للمسلمين بمعرفة خطر القضاء، وعظم شأنه، فبه قد تضيع الأموال، وتسفك الدماء، وتدنس الأعراض، وبه يكون العدل بين الناس، وإعطاء المظلوم حقه، ورفع الظلم عمن ظلم. فالقضاء أمر عظيم، لذا فالتحذير منه نصيحة غالية لمن يظنون أنه مكسب للسمعة والجاه، ورافع للمنزلة.
وهو إنذار لمن ظنوا أنه كنزٌ قد وقعوا عليه فليغتنموه، وليأخذوا منه ما استطاعوا إليه سبيلاً.
أما الرسالة الأخيرة فتتحدث عن ذم المكس.
وهي نصيحة إلى من يفرضون على الناس من الأموال ما ليس لهم به حق فيأكلون أموال الناس زوراً وبهتاناً.
فالمكس: الجباية، والماكس: العشار، لذا فقد قال ابن سيرين لأنس رضي الله عنه: تستعملني على عُشور الناس فأُماكِسُهُم ويماكسوني ومعناه: تستعملني على ما ينقص ديني، لما يخاف من الزيادة والنقصان في الأخذ والترك.
ولقد رأيت أن الرسائل الثلاث تنتظم في سلك درٍ واحد، فجمعتها معاً لتمام الفائدة.
فذم المجيء إلى أبواب السلاطين، يعقبه البُعد عن تولي القضاء، الذي يكون في الأعم الغالب عن طريق الدخول إلى أبواب الأمراء.
وإذا ابتعد المرء عن القضاء فقد صار بعيداً عن أموال الناس، ودمائهم.
وأسأل الله العظيم أن يجعل هذه الصفحات في ميزان عملي، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.