وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، كما يفعله الخوارج؛ بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي..)) إلى آخر الفصل.
وإنما أهل البدع والأهواء هم الذين شعارهم تكفير من خالفهم فضلاً عن لمزهم وتعييرهم، ولذا يقول- رحمه الله-في ((الكيلانية)) ١٢/٤٦٦:
((وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.
فصل: وأما تكفير قائل هذا القول فهو مبني على أصل لابد من التنبيه عليه، فإنه بسبب عدم ضبطه اضطربت الأمة اضطراباً كثيراً في تكفير أهل البدع والأهواء كما اضطربوا قديماً وحديثاً في سلب الإيمان عن أهل الفجور والكبائر.
وصار كثير من أهل البدع مثل الخوارج والروافض والقدرية والجهمية ويعتقدون اعتقاداً هو ضلال يرونه هو الحق، ويرون كفر من خالفهم في ذلك، فيصير فيهم شوب قوي من أهل الكتاب في كفرهم بالحق وظلمهم للخلق- ولعل أكثر هؤلاء المكفرين يُكفِّر بـ ((المقالة)) التي لا تفهم حقيقتها ولا تعرف حجتها.
وبإزاء هؤلاء المكفرين بالباطل أقوام لا يعرفون اعتقاد أهل السنة والجماعة كما يجب، أو يعرفون بعضه ويجهلون بعضه، وما عرفوه منه قد لا يبينونه للناس بل يكتمونه، ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب والسنة، ولا يذمون أهل البدع ويعاقبونهم، بل لعلهم يذمون الكلام في السنة وأصول الدين ذماً مطلقاً، لا يفرقون فيه بين ما دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع، وما يقوله أهل البدع والفرقة.
أو يقرُّون الجميع على مناهجهم المختلفة، كما يُقرَّ العلماء في مواضع الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع، وهذه الطريقة قد تغلب على كثير من المرجئة وبعض المتفقهة والمتصوفة والمتفلسفة، كما تغلب الأولى على كثير من أهل الأهواء والكلام، وكلا هاتين الطريقتين منحرفة خارجة عن الكتاب والسنة)) أهـ.