بينما المؤمن القوي في الغالب لا يسلم من التفات إلى ما لديه من أسباب القوة وأحيانًا يستند إليها في حين غفلة وغالبًا ما تلهيه أسباب القوة ومثولها أمامه عن التضرع إلى الله وإن تضرع فهو في الغالب لا يسلم من ميل قلبه وخلجات خواطره إلى الطمأنة بأن أسباب القوة موجودة لديه، فلا يرسل الدعاء - إن أرسله - مظرَّفًا بحرارة الإخلاص وضراعة الافتقار وانقطاع الرجاء عن سوى الخالق، مثل ما هو حاصل عند الضعيف.
ولما لدى الضعفاء من الإخلاص وصدق الضراعة كان القبول لهم من الله ولدعائهم، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتطلب وجودهم في سراياه وغزواته ويحض صحابته على عدم احتقارهم ويبين أنهم سبب نصرهم بل وحتى رزقهم، فيقول لهم:«أبغوني الضعفاء» ..) . بل يأتي الحديث في أسلوب الحصر:«إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها» وكأنه لا نصر للأمة إلا بالضعفاء!.
وهنا يرد إشكال ظاهر فقد أمر الله بالجهاد وإعداد القوة والغلظة على الكافرين، وغير ذلك مما علق به نصر الأمة. فكيف يُحصر النصر هنا على وجود الضعفاء ودعائهم وإخلاصهم دون ما أمر الله به من أسباب القوة وعلق عليه النصر للأمة؟