للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحق الذي يُشهد به أن بني إسرائيل أبلوا في الصبر بلاءً حسنًا - وهم تحت وطأة فرعون - لم تبله أمة من الأمم التي ذكرت في القرآن ولا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهم في هذه الحال أعظم الأمم صبرًا، وقد بلغوا من الصبر مبلغًا لم يبلغه غيرهم - فيما قص علينا القرآن - وذلك أنهم استضعفهم فرعون وقومه كل الاستضعاف، وأهانوهم كل الإهانة فقد كانوا يقتلون أبناءهم، ويستحيون نساءهم أي يبقونهم أحياء لخدمتهم وامتهانهم، وليس العجب هنا من فعل آل فرعون هذا بهم حين ولادة موسى، وإنما العجب حين رجعوا إلى ذلك النكال ببني إسرائيل حين علموا أنهم آمنوا بنبيهم فرجعوا عليهم مرة ثانية بقتل الأبناء واستحياء النساء ليفتنوهم عن دينهم، فقد وقع هذا العذاب من آل فرعون ببني إسرائيل مرتين حين ولادة موسى، والثانية حين إيمانهم به، لكي يفتنون عن دينهم (١) ، كما جاء ظاهرًا في قوله - تعالى -: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (٢) ، والآن والحال على هذا


(١) انظر تفسير ابن كثير (٢ / ٢٤٩) .
(٢) الأعراف: ١٢٧.

<<  <   >  >>