٣ـ ومنها ما وردَ في قصة عمرو بن الجموح الذي كان رجلاً أعرجَ شديدَ العرجِ، وكان له بَنُون أربعة مثل الأسدِ يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهدَ، فلما كان يوم أُحد أرادوا حَبْسَه، وقالوا له: إنَّ الله عزَّ وجل قد عَذَرَك، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنَّ بَنِيَّ يُريدون أنْ يَحْبِسوني عن هذا الوَجْهِ والخُرُوجِ معك فيه، فوالله إنِّي لأرجو أنْ أطأَ بعرجَتِي هذه في الجنةِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أمَّا أنت فقد عَذَرَك الله فلا جهادَ عليك، وقال لبنيه: ما عليكم ألاَّ تَمْنَعُوه لَعَلَّ الله أن يَرْزُقَه الشَّهادةَ" فخرج معه فَقُتلَ يوم أحد» . (١)
ومن هذا يُعلم أنَّ انْدِفاعَ الرجلِ المسلمِ مُضَحياً بنفسِه في سبيلِ الله جائزٌ في الجهادِ، وفي الحسْبةِ، وإن عَلِمَ أنَّه يُقْتل، وإن علمَ أنَّ المُنكرَ لا يزولُ ما دام في ذلك مصلحةٌ شرعيةٌ، ككَسْرِ قلوبِ الكُفَّارِ والفُسَّاقِ بما يَرَوْنَه مِنْ قُوَّةِ المسلمين وجُرْأتِهم، أو تَقْوِيةِ المسلمين الآخرين، وحملهم على التَّضحيةِ كذلك.
(١) ـ انظر «سيرة ابن هشام» (٣ / ٩٦) ، قال الألباني: وهذا سندٌ حسنٌ إن كان الأشياخُ من الصحابةِ، وإلا فهو مرسلٌ، وبعضه من المسندِ، وسندهُ صحيحٌ، انظر «فقه السنة» ص (٢٨٢) .