قال النَّووي - رحمه الله - عند شرحِه لحديث «من سترَ مُسلما ستره الله» ... ) : " وأمَّا السِّترُ المندوب إليه هنا، فالمراد به الستر على ذوي الهيئاتِ (أهل السُّؤددِ والفَضْلِ الذين لا يُعْرَفُون بالشَّرِ والفسادِ) ونحوهم، ممَّن ليس معروفاً بالأذى والفسادِ، فأمَّا المعرُوفُ بذلك فيُستحبُّ ألاَّ يُستَرَ عليه؛ تُرفعُ قضيَّتُه إلى وليِّ الأمرِ، إن لم يُخَفْ من ذلك مفسدةً، لأنَّ السِّترَ على هذا يُطْمِعُهُ في الإيذاءِ والفسادِ، وانتهاكِ الحُرُمات، وجَسارةُ غيرِه على مثلِ فِعْلِه، وهذا كلُّه في سِترِ معصيةٍ وقعت وانقضت.
أمَّا معصيةٌ رآه عليها وهو بَعْدُ مُتَلبِّسٌ بها، فتجبُ المُبادرةُ بإنكارِها عليه، ومنعه منها على مَنْ قَدِرَ على ذلك، ولا يحلُّ تأخيرها، فإن عَجِزَ لزِمه رفعها إلى وليِّ الأمرِ، إذا لم يترتَّبْ على ذلك مفسدةٌ.
وأمَّا جرحُ الرُّواةِ والشُّهودِ والأُمناءِ على الصَّدقاتِ والأوقافِ والأيتامِ ونحوهم، فيجبُ جرحُهم عند الحاجةِ، ولا يحلُّ السترُ عليهم إذا رأى منهم ما يقدحُ في أهليَّتِهم، وليس هذا من الغيبَةِ المُحرَّمةِ؛ بل من النَّصيحةِ الواجبةِ، وهذا مُجمعٌ عليه.