للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لم يكن لهم تأثير على الصناعة العلمية داخلها من حيث العموم، بل إن تاريخ هذه المدارس يشهد أن الساسة كانوا يعانون الأمرَّين إذا ما حاولوا التدخل في الشأن التعليمي وتوجيه مساره، ويواجهون مقاومة عنيفة جدًا من الفقهاء القائمين على تلك المدارس، وبغض النظر عن إطلاق حكم شامل على هذا الموقف مما يسمى أحيانًا بـ (الإصلاحات) إلا أنه يدل دلالة واضحة على استقلال هذه المؤسسات التعليمية وعدم خضوعها لإرادة من خارجها (١).

أما ما يتعلق بالقضاء، فإننا بالرجوع إلى المصادر التي تتناول تراجم القضاة وسيرتهم القضائية، كـ: (أخبار القضاة) لوكيع (ت ٣٠٦ هـ)، و (قضاة قرطبة) لأبي عبد الله الخشني (ت ٣٦١ هـ)، و (المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا) لأبي الحسن النباهي المالقي (ت بعد ٧٩٣ هـ) وغيرها، نلاحظ أن الخلفاء كانوا حريصين بشكل واضح على استقلالية القضاء، كما أن السمة الغالبة للقضاة كانت الصلاح وإن وجد خلاف ذلك، ولا يعني هذا بحال أن الخلفاء والملوك كانوا مبرأين من التدخل لمصلحتهم في أحوال كثيرة، بل إن هذا من السمات التي تمتاز بها طبيعة الملك عن طبيعة الخلافة الراشدة، لكنه لم يكن الأصل، وتحفظ لنا كتب التراجم حالات كثيرة حكم فيها القضاة


(١) انظر: أليس الصبح بقريب، ابن عاشور (١٠٤)، الدارس في تاريخ المدارس، النعيمي (١/ ٥)، الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية، د. عبد المجيد الصغير (٢٢٨)، كيف ربى المسلمون أبناءهم، محمد شعبان أيوب (١١٣) و (٢٥١).

<<  <   >  >>