للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يقول د. وائل حلاق: (لم يكن الفقه الإسلامي قط آلية بيد الدولة-إن جاز استعمال مصطلح الدولة في غير سياقه التاريخي-على خلاف الثقافات التشريعية الأخرى في العالم مهما كان مستوى تعقدها. وبمعنى آخر، لم ينبثق الفقه الإسلامي من آلة السلطة السياسية، وإنما ظهر باعتباره مؤسسة مستقلة أنشأها رجال أتقياء وطوروها، وهم الذين شرعوا في دراسة الفقه وبلورتها باعتباره نشاطًا دينيًا. ولم يكن بإمكان السلطة الإسلامية الحاكمة-أي: الجهاز السياسي-أن يحدد مطلقًا أحكام الشرع. وهذه الحقيقة الهامة تعني بوضوح أن الجهاز الحاكم إذا كان في الثقافات الفقهية الأخرى مصدر السلطة التشريعية ومركز نفوذها، فإن هذا الجهاز كان في الإسلام غائبًا عن الساحة الفقهية غائبًا كبيرًا إن لم يكن تامًا) (١).

وهذا التقرير يشمل الفتوى أيضًا، فإنها كانت بمعزل عن السلطة السياسية، بل إن تقنين الفتوى مسألة مستحدثة، ومنصب المفتي لم يكن معروفًا قبل الدولة العثمانية، وإن كان ربما حصل إشراف عام يمنع من التلاعب بالفتوى من قبل الجهال وغير المتأهلين مما بينه الفقهاء وشرحوه (٢)، غير أن الحال الغالبة أن الدولة لم تكن تتدخل في شأن الفتيا ولم يكن لها منصب


(١) نشأة الفقه الإسلامي وتطوره، د. وائل حلاق (٢٧٨).
(٢) انظر: فوضى الإفتاء، د. أسامة الأشقر (٣٠) و (٧٤). ولا يدخل في هذا تسمية مفتين بأعيانهم في بعض الأحوال أو بعض الأبواب، بل كان مثل هذا موجودًا لأجل اعتبارات تنظيمية، لكنه لم يتخذ طابعًا رسميًا عامًا، انظر: الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي، باب القول فيمن تصدى لفتاوى العامة (١٠٣٩).

<<  <   >  >>