للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإذا كان ذلك كذلك فيتعين على العالم أن يتصرف بنفسه في قضاء مآربه إن قدر خيفة من المفاسد أن تدخل عليه ولوجوه أخرى نذكر بعضها، وإن كانت بينة جلية لغير العالم فكيف العالم؟ فمنها: إذا خرج من بيته لشيء مما ذكر فينوي بذلك اتباع السُّنِّة في الخروج إلى السوق واتباع السُّنِّة في قضاء حاجته بيده لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر ذلك بنفسه الكريمة، ثم يضيف إلى ذلك نية التواضع مع إخوانه المسلمين ونية الاقتداء بهم وإرشادهم وتعليمهم وتهذيبهم ودفع المضار عنهم وسلامتهم من دخول الربا عليهم... فإذا كان العالم يباشرهم في ذلك انحسمت مادة المفاسد وقلَّ وقوعها ببركة العلم الذي يدور بينهم... والخروج إلى السوق من شعار الصلحاء والأولياء والعلماء المتقدمين رحمة الله عليهم أجمعين. قال مالك رحمه الله تعالى: كان ذلك من شأن الناس يخرجون إلى السوق ويقعدون فيه. انتهى. وما سمي السوق سوقًا إلا لنفاق السلع فيه في الغالب، وأكبر سلع المؤمن التي يطلب ربحها تعلمه وتعليمه وإرشاده لنفسه ولغيره، وذلك في الغالب موجود في الأسواق لكثرة وجود إخوانه فيها، وفيهم العالم بما يحاوله والجاهل بذلك، ألا ترى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في الأسواق يتَّجِرون وفي حوائطهم يعملون؟ وعلى هذا استمر علماء الأمة وسلفها.

فإن قال قائل: كيف يمكن تعليم العلم في الأسواق؟ وذلك امتهان لحق العلم ونقص لحرمة العالم واستهانة بقدرهما! وأهل الأسواق مع ذلك لا يسألون في الغالب، وبذل العلم إنما يجب

<<  <   >  >>