للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صلاح الشؤون العامة وحسن تدبيرها مع الغفلة عن الصلاح الذاتي لأفراد المجتمع.

وقد وجد من العلمانيين العرب من يسخر بالفقهاء ويهزأ باشتغالهم بقضايا يسيرة (١)، وهذا جهل منهم بطبيعة الحياة وعلاقة الفقه بها، وهذه الأمور التي يراها أولئك وغيرهم يسيرة لا تستحق العناية والاهتمام تشكل بمجموعها تصورات وأشكالًا وشعائر وأحكامًا فيها إظهار للعبودية لله تعالى والتزام بشرعه وأمره واتباع لدينه، والدين لم يأت للإصلاح السياسي فحسب، بل جاء لصلاح الدنيا والآخرة. وهذا النَّفَس الممقوت من السخرية والاستهزاء ليس أمرًا جديدًا، فقد سخر بعض المشركين مما ورد في الشريعة من تفاصيل آداب قضاء الحاجة، فقال بعض المشركين لسلمان الفارسي رضي الله عنه: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة! فقال سلمان رضي الله عنه: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم (٢). فدين الإسلام دين شامل لا يتعالى على واقع الناس وحياتهم، وليس صياغة فلسفية نظرية تجريدية للحياة، بل إن أعمال الإيمان والتقوى تعايش


(١) انظر على سبيل المثال: خواطر الصباح يوميات (١٩٧٤ - ١٩٨١ م)، العروي (٨)، الجمر والرماد، هشام شرابي (٩٥).
(٢) رواه مسلم في كتاب الطهارة باب الاستطابة (٦٢٩)، وذكر الاستهزاء ورد عند ابن ماجه (٣١٦)، والدارقطني (١٤٤)، وانظر كلام الطيبي على جواب سلمان رضي الله عنه في: الكاشف عن حقائق السنن، الطيبي (٣/ ٧٨٢).

<<  <   >  >>