الناس في دقيق الأمور وخطيرها. أما الفصل بين أشكال الحياة المختلفة وتعلق الإيمان بها فهو من آثار العلمانية البغيضة التي تسربت إلى بعض الفهوم الفاسدة، والإسلام الذي جاء بالتصورات والعقائد الكبرى والأخلاق الكاملة والشعائر الإيمانية العظيمة، جاء أيضًا بهذه التفصيلات التي يستهزئ بها من لم يتصور طبيعة دين الإسلام، وإذا انسحبت التصورات الإيمانية عن هذه التفصيلات فإن هذا بداية انسحابها عن الحياة بجملتها.
ووسطية دين الإسلام وشموله وتوازنه تحجز المسلم عن الاشتغال بالجزئيات عن الكليات لكنها لا تتعالى عليها وتُحقِّر من شأنها، وذات الفصل بين الأمرين وإن افترضته التصورات الذهنية إلا أن الممارسات الواقعية تحيله، فإن الإيمان شعب متفاوتة وهي بمجموعها تصبغ حياة المؤمن بالصبغة الإيمانية لتكون صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين.
وقد مضت الإشارة إلى أن اهتمام الفقهاء بتفصيلات الأحكام كان نتيجة مباشرة لكثرة سؤال الناس عنها وتعرضهم لها، ومع ذلك فلم تزل عادة الفقهاء توجيه الناس وإرشادهم إلى ما هو خير وأبقى، وكانوا شديدي الملاحظة للتغيرات الاجتماعية من خلال فحص أسئلة الناس.
يروى عن الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ) أنه قال: (لم يكن الناس فيما مضى يسألون عن هذه الأمور كما يسأل الناس اليوم، ولم يكن العلماء يقولون: حرام ولا حلال، أدركتهم يقولون: مكروه