للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وسلطة الإكليروس ورجال الدين النصارى من الجهة الأخرى، ثم لما راجت سوق العلم والمعرفة وبدأت بواكير ما عرف لاحقًا بالنهضة فقد ظهرت طبقة واعية لا ترضى بهذا التسلط، وقد صنعت بنفسها آليات الصراع واستطاعت بمرور الزمن التغلب على تلك السلطتين وصناعة مفاهيم وأفكار جديدة أثرت ولا تزال تؤثر في العالم الجديد (١)، وهذه الطبقة لم تتخذ لها اسمًا محددًا منذ البداية بل مرت بعدة أسماء حتى استقر لها اسم المثقف مع بقاء خلاف طويل في تعريفه على وجه التحديد (٢)، ولكن يبقى من سمات المثقف أن لديه من المعرفة العامة والمتخصصة ما يخوله الاعتناء بشؤون الناس العامة ليمارس نوعًا من الضغوط الإصلاحية حسب رؤيته التي يراها.

لكن المؤسف في هذا الصدد أن هذا المصطلح عندما أريد له أن يدخل في نسيج الفكر العربي فقد نقل بخصوصيته الأوروبية دون تنقيح يلائم اللغة العربية التي يشكل الإسلام عنصرها الأول، ومما يؤكد هذا أتم التأكيد ما حصل من المقابلة بين المثقف


(١) تعود جذور المعاني التي يشتمل عليها اسم (المثقف) في أوروبا إلى أزمنة قديمة بعض الشيء، لكن نشأة اسم (المثقف) مرتبطة بما عرف بقضية (دريفوس) في فرنسا، ليعبر عن المفكر أو الفيلسوف أو رجل الآداب الذي لا تشغله اهتماماته المعرفية والفلسفية عن الاهتمام بشؤون الناس والدفاع عن القيم الإنسانية، على النحو الذي يدعوه شيشرون خطيب الرومان بـ (حب النوع البشري). انظر: المثقف والسلطة، محمد الشيخ (١٤)، المثقفون في الحضارة العربية، د. محمد عابد الجابري (٢٣).
(٢) انظر: السلطة الثقافية والسلطة السياسية، د. علي أومليل (٢٣٩).

<<  <   >  >>