للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والفقيه، مع أن شرط اسم المثقف متحصل في الفقيه، ولكن الربط بين الفقيه ورجل الدين النصراني في أوروبا-مع كون سلطة المثقف نشأت لتكون مناهضة لسلطة رجال الدين-جعل بعض الكتاب يفترضون القطيعة بين المثقف والفقيه، وكل ذلك يؤكد أن مرجعية هذا الصراع المفتعل مرجعية أوروبية، حيث نشأ المثقف ليكون ندًا لرجل الدين ورجل السياسة فأصبح تحديد مفهوم المثقف من قبيل ما يسميه المناطقة التعريف بالضد لا التعريف بالحد أو الرسم، وهذا ما أدى إلى الاختلاف الكبير في تحديد المراد به (١).

وهذه الأزمة المفترضة إنما تكون واقعة بالفعل في حالة اختلاف المرجعية بين كل من الفقيه والمثقف، ويحصل ذلك عندما لا يستورد اسم المثقف فحسب بل تستورد المفاهيم التي أنتجته، والتي سيكون فيها بالتأكيد ما يتعارض مع مرجعية الفقيه التي هي شريعة الإسلام، وستكون غايات الإصلاح ومقاصده لدى المثقف مختلفة عن غايات الإصلاح لدى الفقيه والتي هي رسالة الأمة وهويتها، الأمرَ الذي يُشعر المثقف بالاغتراب والشتات في بلده وبين أهله؛ لأن مرجعيته مرجعية مناهضة للوحي والشرع الذي به قوام الأمة وحياتها، ومشروعه الثقافي لا يقوم على اعتبار أصول الديانة وأحكام الشريعة بل على إقصائها أو معاداتها، ومن


(١) انظر: الحضارة الثقافة المدنية دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، د. نصر عارف (٢٦)، المثقفون في الحضارة العربية، د. محمد عابد الجابري (١٩).

<<  <   >  >>