توابع ذلك إقصاء حملة الشريعة ومعاداتهم والإزراء بهم وبمشاريعهم الإصلاحية، بل إن هناك الكثير من الشواهد الواقعية التي تؤكد أن بعض من يسمون بالمثقفين يبادرون بالانحياز إلى الطغاة والظلمة عندما يكون خيار الأمة الرجوع إلى هويتها ودينها، ولا ريب أن مثل هؤلاء عناصر فاسدة لا تستحق اسم المثقف.
أما حينما يكون المثقف منطلقًا في رؤيته ومفاهيمه وأفكاره من دين الإسلام فإنه لا مجال لافتعال هذا الصراع، بل دوره مع الفقهاء حينئذٍ يقوم على التكامل لا على الصراع، بل إن المثقف نفسه-إذا ما اعتبرنا أصحاب التخصصات المختلفة ممن يساهم في الإصلاح العام مثقفًا-كان تكوينه في ظل حضارتنا الإسلامية يتشكل بالقرب من الفقيه، حيث يلتقي الجامع بالجامعة وحيث تشكل مبادئ العلوم الشرعية جزءًا أساسيًا من ثقافته (١).
وإذا ما رجعنا لنتأمل طبيعة النخبة العربية الإسلامية في مشارف ما يسمى بعصر النهضة العربية بين ثلاثينات القرن التاسع عشر وثلاثينات القرن العشرين، فإننا نجد أن سوادها الأعظم كان ممن يغلب عليهم سمة الفقه، سواء كان هذا من جهة التكوين العلمي أو الوظيفة أو اللغة المستعملة، كما أن مراكز التكوين
(١) انظر: مثقف فقيه وفقيه مثقف، د. زكي الميلاد، مقال بجريدة عكاظ، العدد (٢١٧٤)، بتاريخ: (١٤/ ٥/١٤٢٨ هـ).