للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

السماوات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولًا في السماوات)) (١)، فكان رهبان النصارى يُشرِّعون لهم في دينهم ما لم يأذن به الله وينسبونه إلى دين الله تعالى وهم يتابعونهم على ذلك، حتى قال الله جل جلاله عنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣١]، وكانوا بهذه العصمة المدعاة ينسبون إلى الدين ما ليس منه، حتى إذا كشف علماء الطبيعة والفلك وغيرهم خطأهم امتحنوهم وعذبوهم ونصبوا لهم محاكم التفتيش الظالمة، فصدوا بذلك عن سبيل الله كثيرًا. وكل هذا لم يحصل في دين الإسلام، حيث يأمر الدين بالعلم ويكون الفقيه في أحوال كثيرة عالمًا متفننًا في الكثير من العلوم الشرعية والطبيعية والطبية وغيرها. كما أنهم لم ينسبوا لأنفسهم حق ابتداء التشريع ألبتة، بل هم يؤكدون دومًا أن (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص) (٢).

وبالتالي فحالة الخصومة بين رجل الدين والمثقف إن افترضنا أن لها ما يبررها في التاريخ الأوروبي، فإن استصحابها في دين المسلمين وثقافتهم لا يجد له من شواهد التاريخ ما يؤيده ويسانده. حتى الذين ذهبوا لافتعال شواهد تاريخية ما يؤيده ويسانده. حتى الذين ذهبوا لافتعال شواهد تاريخية تتمثل في صراع المعتزلة مع أهل السُّنِّة في مسألة خلق القرآن نسوا أو تناسوا أن المعتزلة لم ينسبوا أنفسهم إلى غير المرجعية الدينية،


(١) إنجيل متى (١٦: ١٩).
(٢) انظر: شرح القواعد الفقهية، أحمد الزرقا (١٤٧).

<<  <   >  >>