للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لقد كان شرط الفقيه عند العلماء فيما مضى صعبًا لعلمهم بعظم مسؤوليته، والواقع يشهد أنه كلما جرى التشديد في شرط الفقيه كانت الأحوال العامة أصلح وأسد، ومتى جرى التساهل فيه ساءة الحال تبعًا. ومن صور هذا التشديد ما حكاه الونشريسي (ت ٩١٤ هـ) في فتاوى بعض علماء المغرب أن الدارس إذا سكن في المدرسة عشرة أعوام ولم تظهر نجابته أخرج منها جبرًا لأنه يعطل الحبس (١).

فالتعلم والتفقه عندهم لم يكن أمرًا شكليًا خاضعًا لإجراءات ورسوم محضة، بل كان تعليمًا مصحوبًا بالتدريب الفقهي الذي يتأكد من فهم المتفقه واستيعابه، كما ينمي الملكة في نفس التلميذ ويتعاهدها ويختبرها. قال حماد بن أبي سليمان (ت ١٢٠ هـ): (كنت أسأل إبراهيم عن الشيء فيعلم أني لم أفهمه فيقيس لي حتى أفهم) قال الخطيب (ت ٤٦٣ هـ) معلقًا: (وأحسب أن إبراهيم أخذ هذه الطريقة عن علقمة بن قيس)، وذكر بعده: أن علقمة بن قيس (ت ٦٢ هـ) كان يقول لإبراهيم النخعي (ت ٩٦ هـ): (إذا أردت أن تعلم الفرائض فأمت جيرانك) (٢). وكان لهم تمييز بين المتفقهين وسواهم من حملة العلم، قال أنس بن سيرين (ت ١٢٠ هـ): (أتيت الكوفة فرأيت فيها أربعة آلاف يطلبون الحديث وأربعمائة قد فقهوا) (٣).


(١) انظر: المعيار المعرب، الونشريسي (٧/ ٧).
(٢) الفقيه والمتفقه، باب آداب التدريس (٩٤٦).
(٣) انظر: المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، الرامهرمزي (٥٦٠).

<<  <   >  >>