للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلة التدريب الفقهي ما كان يفعله أبو حنيفة (ت ١٥٠ هـ) مع أصحابه في مدارسة المسائل، حيث يذكر في المسألة احتمالًا ويؤيده بالأدلة ثم يسألهم معارضته، فإذا سلموا له نقضه بنفسه حتى يقنعهم بصواب الثاني، ثم يطلب المعارضة فإذا سلموا له نقضه بثالث ثم رجح بينها بأدلة ناهضة (١). وكان أصحابه يتناظرون بينهم ويتطارحون الفقه حتى تعلو أصواتهم. قال سفيان بن عيينة (ت ١٩٨ هـ): (مررت بأبي حنيفة في المسجد وإذا أصحابه حوله قد ارتفعت أصواتهم، فقلت: ألا تنهاهم عن رفع الصوت في المسجد؟ قال: دعهم فإنهم لا يتفقهون إلا بهذا) (٢).

وكان له عناية بالغة بأصحابه، حتى قال الموفق المكي (ت ٥٦٨ هـ): (فوضع أبو حنيفة رحمه الله مذهبه شورى بينهم لم يستبد فيه بنفسه دونهم اجتهادًا منه في الدين ومبالغة في النصيحة لله ورسوله والمؤمنين، فكان يلقي المسائل مسألة مسألة يقلبهم ويسمع ما عندهم ويقول ما عنده، ويناظرهم شهرًا أو أكثر حتى يستقر أحد الأقوال فيها، ثم يثبتها القاضي أبو يوسف في الأصول حتى أثبت الأصول كلها) (٣). وكان من ثمرة هذه العناية والاهتمام أن كان هؤلاء الأصحاب محل ثقته حتى قال لهم مرةً: (أنتم مسارُّ قلبي وجلاء حزني، وأسرجت لكم الفقه ألجمته، وقد تركت الناس يطؤون أعقابكم ويلتمسون ألفاظكم، ما منكم واحد


(١) انظر: حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي، الكوثري (١٣).
(٢) انظر: مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه، الذهبي (٣٥).
(٣) مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة، الموفق المكي (٢/ ١٣٣).

<<  <   >  >>