للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلا وهو يصلح للقضاء. فسألتكم بالله وبقدر ما وهب الله لكم من جلالة العلم لما صنتموه عن ذل الاستئجار، وإن بلي أحد منكم بالقضاء فعلم من نفسه خربة سترها الله عن العباد لم يجز قضاؤه ولم يطب له رزقه، فإن دفعته ضرورة إلى الدخول فيه فلا يحتجبن عن الناس، وليصل الخمس في مسجده وينادي عند كل صلاة: من له حاجة؟ فإذا صلى العشاء نادى ثلاثة أصوات: من له حاجة؟ ثم دخل إلى منزله، فإن مرض مرضًا لا يستطيع الجلوس معه أسقط من رزقه بقدر مرضه، وأيما إمام غلَّ فيئًا أو جار في حكم بطلت إمامته ولم يجز حكمه) (١). وهذا التعاهد للتلاميذ والحرص عليهم والاهتمام بهم من أعظم أسباب رسوخ الفقه وانتقاله من الأكابر إلى الأصاغر بطريقة منهجية معتبرة، وكانت قدرة الفقيه على تربية طلابه وتعليمهم سببًا في بقاء فقهه وانتشاره.

مرَّ الشعبي (ت ١٠٥ هـ) يومًا بإبراهيم النخعي (ت ٩٦ هـ) فقام له إبراهيم عن مجلسه، فقال له الشعبي: أما إني أفقه منك حيًا وأنت أفقه مني ميتًا، وذاك أن لك أصحابًا يلزمونك فيحيون علمك (٢).

وقد ورث تلامذة أبي حنيفة شيئًا من طريقته في التعليم وصبره على الطلاب، فقد حكى الحسن بن زياد (ت ٢٠٤ هـ) فقال: كنت أختلف إلى زفر (ت ١٥٨ هـ) وإلى أبي يوسف (ت ١٨٢ هـ) في الفقه، وكان أبو يوسف أوسع صدرًا بالتعليم من


(١) انظر: مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه، الذهبي (٢٨).
(٢) انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي (٤/ ٥٢٦).

<<  <   >  >>