زفر، فكنت أبدأ بزفر فأسأله عن المسألة التي تشكل على فيفسرها لي فلا أفهمها، فإذا أعييته قال: ويحك! ما لك صناعة؟ ما لك ضيعة؟ ما أحسبك تفلح أبدًا. قال: فأخرج من عنده وقد فترت واغتممت، فآتي أبا يوسف فيفسرها لي، فإذا لم أفهمها قال لي: ارفق، ثم يقول لي: أنت الساعة مثلك حين بدأت؟ فأقول له: لا، قد وقفت منها على أشياء وإن كنت لم أستتم ما أريد، فيقول لي: فليس من شيء ينقص إلا يوشك أن يبلغ غايته، اصبر فإني أرجو أن تبلغ ما تريد. قال: فكنت أعجب من صبره (١).
إن الفهم ورسوخ العلم في قلب المتعلم هو الثمرة المرجوة بالتعليم لا مجرد حفظ المسائل وعدها، وترتُّبُ الآثار النافعة للفقه موقوف على تشبع الدارس بروح الفقه وفهمه لمسائله لا على مجرد التلقين، وقيام أحوال الناس على قواعد الشريعة المستقرة مفتقر إلى فقهاء مقتدرين متضلعين بروح الشريعة وغاياتها، لا إلى حفظة نصوص فقهية يجمعونها ثم لا يحسنون تنزيلها ويقصرون الفقه عليها وينزعون اسم الفقه عمن خالفها، فيفضي بهم ذلك إلى فساد الدين والدنيا. وإن من أهم ما ينبغي إصلاحه في تعليم الفقه ألا يكون معيار التقويم كميًا فحسب، فيقاس نجاح الدارس بعدد الساعات التي اجتازها أو المقررات التي درسها، بل ينبغي أن تضاف إلى ذلك العناصر التدريبية كالتخريج الفقهي والقياس والترجيح المستند إلى القواعد الأصولية
(١) انظر: حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي، الكوثري (١٩).