للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المعتبرة والتمثيل والاستنتاج والربط والتحليل والجمع والفرق والمناظرة وغيرها من الملكات الفقهية التي من خلالها يعلم مدى فقه الدارس وفهمه وقدرته على الانتفاع بعلمه (١). وهذه الملكات وأشباهها لا تتلقى بالتلقين المحض، بل هي مفتقرة إلى فقهاء يدربون المتفقهين ويربونهم عليها، ولذا قد كان من عادة المتفقهين في الماضي ملازمة الشيوخ وطول صحبتهم متى آنسوا الفائدة من ذلك بالتزود من علومهم وهديهم. قال الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ): (كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه) (٢)، وهذا الاختلاف وطول الملازمة لا تغني عنه مطالعة الكتب فإن الملكة قلما تنتقل بذلك، وإذا قال أصحاب التراجم في ترجمة أحد الفقهاء (تفقه بفلان) فإنهم لا يعنون مجرد الدراسة عنده فحسب، بل هم يشيرون بذلك إلى اكتساب الملكة والمهارة، وهذا معنى قول القائل: (كان العلم في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال) (٣). وقد ذكر في ترجمة ابن أبي الخيار العبدري القرطبي (ت ٥٢٩ هـ) أن أبا القاسم بن الحاج قرأ عليه المدونة تفقهًا وعرضًا أعوامًا (٤)، وقال المازري (ت ٥٣٦ هـ) في إشارة إلى تجربة شخصية له في التدريب:


(١) انظر: مقررات فقه القضايا المعاصرة بين الواقع والمأمول-ورقة منشورة على الشبكة العالمية، د. عامر بهجت (٥٢).
(٢) انظر: حلية الأولياء، أبو نعيم (٦/ ٣٢٠).
(٣) انظر: الموافقات، الشاطبي (١/ ١٤٧).
(٤) انظر: التكملة لكتاب الصلة، ابن الأبار (١/ ٣٥٠).

<<  <   >  >>