للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التأليف صناعة أخرى لها مهاراتها وأدواتها، ولذا قال الشهاب المقَّري (ت ١٠٤١ هـ): (احذر أيها الناظر شرح الله صدري وصدرك أن يقع في نفسك أن عجز هؤلاء السادات عن صناعة التأليف والحذق في التصنيف وعدم الاقتدار على الترجيح والاختيار وعدم القيام بمواد مدارك المحققين والنظار يوجب قدحًا في مناصبهم أو وصمًا في مراتبهم) (١).

وعند التأمل في طرق تدوين الكتب الأولى في مذهب أبي حنيفة نعلم شدة العناية ودقة التحرير في كتابتها، وربما أقاموا في المسألة ثلاثة أيام من المباحثة والنظر قبل تدوينها (٢). وهذه العناية البالغة كانت طريقة معهودة عند الفقهاء، حتى ذكر أن نهاية المحتاج للرملي (ت ١٠٠٤ هـ) قرئت على صاحبها إلى آخرها في أربعمائة من العلماء فنقدوها وصححوها (٣). ومن هنا يعلم أن تأليف المدونات الفقهية من كمالات العلم الذي يصل إليه المنتهي، فهي ثمرة لإعداد الفقيه النابه الذي يعرف كيف يؤلف الكتاب وكيف يدرسه (٤).

ولأجل هذه الدقة في التصنيف فإن العلماء كانوا يحذرون من التسرع في نسبة الأقوال إلى الكتب دون استيعاب مرادات


(١) أزهار الرياض (٣/ ٣١).
(٢) انظر: تدوين مذهب الأحناف، محمد مفيض الرحمن الشاتغامي (٨٣)، فقه أهل العراق وحديثهم، الكوثري (٦٨).
(٣) انظر: الفوائد المكية، السقاف (٣٧).
(٤) انظر: منهاج تدريس الفقه، د. مصطفى صادقي (١٧٠)، وحي الرسالة، أحمد حسن الزيات (٢/ ١٨٥).

<<  <   >  >>