امتداد له، وعنده الموازنة بين هذين الدورين فإننا لن نعدم نقاط قوة وضعف في كل منهما، ولن نعدم تقدمًا في بعض الأنشطة الفقهية وتراجعًا في بعضها. ومن الدلائل على الأزمة التي نعيشها في هذا الدور أننا لا نجد للحركة الفقهية مخرجات ذات كفاءة عالية تستقيم بها الخطط الفقهية من تعليم وقضاء ودعوة وإفتاء وخطابة وصلاة، بل إن أصوات المصلحين تعالت ولم تزل تتعالى بالدلالة على أشكال من أشكال الفساد وتتبرم من آثارها ونتائجها.
يقول الشيخ بدر الدين الحلبي (ت ١٣٦٢ هـ): (فإذا استفتيت اليوم عشرة من الفقهاء في حادثة شرعية ليست من مسائل المتون التي هي من فتاوى الأئمة وتدوينهم أجابك كل واحد من العشرة بجواب غير جواب الآخر، وربما ذكر لك كل واحد منهم نصًا من الكتاب الذي اعتمد عليه وأفتاك بما رأى فيه. وانضم إلى هذا فساد التطبيق في بعض المحاكم الشرعية، فكان حال القانون الشرعي كحال القانون الوضعي سواء بسواء لا يختلف عنه بشيء غير أن القائمين بأحدهما منسوبون إلى الشرع، والقائمون بالآخر غير منسوبين إليه. وما قد يوجد في القانون الشرعي من الفروع التي توافق مذاهب الأئمة فلعله لا يخلو منها القانون الوضعي وإن لم يذكر على أنه من القوانين السماوية، وإنما وضع لظن واضعه أن المصلحة فيه، وأصبحت مصالح العباد مهجورة، والحقوق مهددة، والمستجير بأحدهما كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وشرح الحالة الحاضرة بأزيد مما أشرنا إليه مشكل جدًا، والبصير