والتشهد والتسليم من الصلاة ووجوه القراءات واختلاف وجوه الفتيا وما أشبه ذلك، وهذا ليس باختلاف وغنما هو تخيير وتوسعة وتخفيف من السُّنِّة، فمن أذن مثنى وأقام مثنى لم يأثم ومن ربَّع لم يأثم. والاختلاف الآخر كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتاب الله جل جلاله وتأويل الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم مع اجتماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عين الخبر، فإن كان إنما أوحشك هذا فينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة والإنجيل متفقًا على تأويله كما يكون متفقًا على تنزيله، ولا يكون بين اليهود والنصارى اختلاف في شيء من التأويلات، ولو شاء الله أن ينزل كتبه مفسرة ويجعل كلام أنبيائه ورسله لا يختلف في تأويله لفعل، ولكنا لم نجد شيئًا من أمور الدين والدنيا وقع إلينا على الكفاية إلا مع طول البحث والتحصيل والنظر، ولو كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحن وذهب التفاضل والتباين، ولما عرف الحازم من العاجز ولا الجاهل من العالم وليس على هذا بنيت الدنيا. قال المرتد: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن المسيح عبد الله وأن محمدًا صادق وأنك أمير المؤمنين حقًا (١).
وهذا الاختلاف الحاصل في الشريعة لا يحجز الناس عن كمال التدين، فإن الناس إما مجتهد وإما غير مجتهد، فالمجتهد وظيفته الاجتهاد والبيان والفتيا، وغير المجتهد وظيفته سؤال أهل الذكر والعمل بما يفتونه به، كما قال الله جل جلاله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
(١) انظر: العقد الفريد، ابن عبد ربه (٢/ ٢٢٣)، عيون الأخبار، ابن قتيبة (٢/ ١٥٤).