للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا ريب أن أزمنة الضعف هذه تورث فتورًا عامًا تتسرب أدواؤه إلى كافة مجالات الحياة، بما في ذلك حركة العلم والفقه ذاته. وقد بعث الشيخ محمود شكري الآلوسي (ت ١٣٤٢ هـ) إلى صديقه الشيخ جمال الدين القاسمي (ت ١٣٣٢ هـ) رسالة جاء فيها: (والعبد الفقير يعتذر إليكم من قلة المخابرة تلك المدة المديدة، لما هو فيه من الغوائل والمشاغل الظاهرة والباطنة، فإن القلب قد اعتل لما عرى المسلمين وبلادهم من البلاء، وما صحَّ جسمٌ إذا اعتل قلب، حتى لم يبق لي ميل لمطالعة كتاب ولا سماع مسألة علمية ولا مكالمة مع أحد، فالبلاء قد أحيط بالمسلمين وبلادهم، والخطر أحاط بنا، لا سيما العراق، ونرى الأوغاد هم الذين يسلطون عدوهم، وما ندري ما الله صانع) (١).

فإذا كانت الشريعة مستبعدة عن الحكم والقضاء، وكان التعليم الديني في أزمة، وكانت الفتوى تستعمل في أحيان كثيرة سلاحًا لإدارة الخصومات الفكرية والسياسية مما دفعنا إلى حالة من الفوضى الإفتائية (٢)، وكانت الدعوة تعاني من نقص وخلل في فقه الأولويات والموازنات، فما الذي يدفعنا إلى الجزم بأننا نعيش عصر (التجديد الفقهي)؟

ولا بد من التنبيه هنا إلى أن هذه المقدمة لا تتضمن موقفًا جبريًا ولا تقريرًا لواقع فاسد، لكنها وصف لما عليه الحال، وكما


(١) انظر: الرسائل المتبادلة بين جمال الدين القاسمي ومحمود شكري الآلوسي (٢٢٣).
(٢) انظر: فوضى الإفتاء، د. أسامة الأشقر (٨).

<<  <   >  >>