للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الإسلامية وغيرها من الحضارات، فالعمارة سياق فكري لا يشذ عن مجمل السياقات الفكرية، وهي منبثقة من قيم الحضارة وتراثها وخصوصيتها وبيئتها، ونقلها إلى حضارة أخرى؛ يعني: نقل شيء من روحية تلك الحضارة (١). وإذا ما تأملنا في بناء المدن الإسلامية القديمة وجدنا الأثر الكبير للتصورات الشرعية والأحكام الفقهية في إنشائها وتصميمها، كمركزية المسجد الجامع وتنظيم عرض الطرقات واشتمالها على المرافق والمنشآت الضرورية كالمدارس والأسواق والحمامات، بالإضافة إلى دور الأوقاف في إدارة الحياة الاجتماعية فيها، بل ربما كان الوقف سببًا في إنشاء المدينة ذاتها، مثل ما حصل في إنشاء مدينة سراييفو وتيرانا وغيرهما (٢). كما أن هناك الكثير من الأحكام الفقهية التي تنظم العمران وتلائم روح الدين وطبيعة المجتمع في الوقت نفسه، كإقرار حق الشفعة الذي يعطي الجار أولوية في شراء حصة شريكه من العقار بمثل ثمنها (٣)، مما يضفي نوعًا من الانسجام الاجتماعي في الجوار (٤)، وكطائفة من الأحكام الفقهية


(١) انظر: العمارة الإسلامية سجالات في الحداثة، علي ثويني (٢٥٣).
(٢) انظر: الأوقاف والمجتمع، د. عبد الله السدحان (٣٠)، الوقف في العالم الإسلامي ما بين الماضي والحاضر، محمد الأرناؤوط (١٠٣)، ويروي الجزنائي في كتابه: جنى زهرة الآس في بناء مدينة فاس (٢٢): أن الإمام إدريس عندما عزم على بناء مدينة فاس رفع يديه إلى السماء ودعا: ((اللَّهُمَّ اجعلها دار علم وفقه يتلى بها كتابك وتقام بها سُنَّتك وحدودك واجعل أهلها متمسكين بالسُّنَّة والجماعة ما أبقيتها)).
(٣) انظر: الكافي، ابن قدامة (٣/ ٥٢٧).
(٤) انظر: دراسة التحيز في التصميم المعماري، م. سهير حجازي، ضمن بحوث: إشكالية التحيز في الفن والعمارة (١٠٠).

<<  <   >  >>