التي تنظم عملية البناء ذاتها كضابط تعدد الطوابق وسعة الطرق وتدبير مجاري المياه وإصلاح المراحيض وتدبير الضوء والهواء واحترام الخصوصيات والحفاظ على الحرمات وغير ذلك من الأحكام (١).
والمقصد هنا بيان أثر الفقه في صناعة الحياة الاجتماعية واستقرارها، ودوره في صياغة الهوية الذاتية للأمة وتعزيزها، بل لقد كان الفقهاء حريصين على عدم الإخلال بالموازنات الاجتماعية حتى على مستوى المذاهب الفقهية المستقرة في البلدان، وقد اشتهر عن الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ) قوله للمنصور (ت ١٥٨ هـ) لما هم بحمل الناس على كتاب واحد: (يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الناس قد سبقت لهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا له من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل
(١) يتناول الفقهاء أحكام البنيان في مؤلفات مستقلة، كما يتطرقون إليها في مناسباتها من الكتب والأبواب الفقهية المختلفة؛ كباب الصلح وغيره، وانظر: أثر الفقه الإسلامي في التهيئة العمرانية للمدن العريقة، عبد الرزاق وورقية، مقال منشور في موقع (الألوكة) في الشبكة العالمية. ومن طريف الموافقات أن هناك شبهًا بين تكون المدينة الإسلامية ونشأة الفقه الإسلامي، كما أن هناك شبهًا بين تكون المدينة الغربية ونشأة التقنينات الغربية الحديثة، حيث تعتمد المدينة العربية التقليدية في تصميمها على عادات الاستعمال لقاطنيها وتتكون شيئًا فشيئًا لتكون ملاقية لأعراف الناس وحاجاتهم، بخلاف المدينة الغربية المعاصرة التي يعتمد تصميمها على تكوين الفكرة مقدمًا وفرضها على التشكيل. انظر: دراسة التحيز في التصميم المعماري، م. سهير حجازي، ضمن بحوث: إشكالية التحيز في الفن والعمارة (٨٤).