للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يتعلق الخلاف الفروعي بطائفة مخالفة في الأصول، وربما زالت هذه الصرامة وخفَّت حدتها بعد زوال الهيمنة السياسة للطائفة المخالفة (١).

ويشرح الشيخ عبد الله كنون (ت ١٤٠٩ هـ) في كتابه ((النبوغ المغربي)) كيف أسهم الفقهاء قبل ذلك في تثبيت الإسلام ونشره في بلاد المغرب أول مرة، وأن المغاربة لم يعادوا الإسلام في أول الأمر ولم يقاوموه تلك المقاومة العنيفة، إلا لجهلهم بحقيقته وعدم إحاطة علمهم بمحاسنه ومزاياه. وقد فطن لذلك الولاة العرب بعد حين، فرتبوا لهم الفقهاء والقراء يلقنونهم العربية ويبصرونهم بالدين، فأنزل عمر بن عبد العزيز (ت ١٠١ هـ) فإفريقية والمغرب عشرة من الفقهاء يعلمون الناس القرآن ويفقهونهم في الدين، وكذلك فعل موسى بن نصير (ت ٩٧ هـ) فرتب عددًا من القراء والفقهاء للغرض نفسه، فلما اكتنهوا كنه الإسلام وعرفوا حقيقته وتمرسوا بتعاليمه السامية وآدابه العالية، أصبحوا من أكبر دعاته وأحمى أنصاره، فجاهدوا في سبيله الجهاد الأكبر وبذلوا النفس والنفيس لإبلاغ دعوته إلى أقاصي البلاد، فهم الذين فتحوا الأندلس وسهلوا طريقها للعرب، ومازالوا بعد ذلك حاميتها وذادتها إلى آخر العهد بها، وهم الذين اقتحموا مجاهل إفريقية وحملوا إليها الهداية الإسلامية والثقافة العربية (٢).


(١) انظر: الفكر التشريعي وأسس استمرار الإسلام، د. المبروك المنصوري (١٦٧).
(٢) انظر: النبوغ المغربي (١/ ٤١).

<<  <   >  >>