للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فالفقه له دوره الكبير في صناعة الحياة الاجتماعية وتنظيمها على هيئة تصبح بمرور الزمن من الأحوال الراسخة التي يصعب نقلها، ولما حاول العثمانيون تغليب المذهب الحنفي في تونس على المذهب المالكي السائد فيها، وإدخال اللغة التركية في الزيتونة نجم من ذلك فوضى واختلال (١).

وإذا كان هذا الرسوخ والاستقرار الاجتماعي يمكن أن يصيبه نوع من الخلل في حالة فرض مذهب فقهي على بلاد يغلب فيها مذهب آخر مع أنها مذاهب فقهية شرعية معتبرة، فكيف إذًا هي الحال عندما يفرض قانون أجنبي (غريب الوجه واليد واللسان) على بلاد وبيئة تختلف تمامًا عن بيئة القانون وبلاده؟

إن المجتمعات الإسلامية مجتمعات مؤمنة، وللدين والأخلاق وأصول الاعتقاد الأثر الأكبر في صياغة تصوراتها ووجدانها، وليست سلطة القانون الإلزامية وحدها هي من يحملها على الخير والصلاح، بل إن حالة التدين الجماعي وواعظ الله في قلب كل مؤمن والاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتربية الوالدين وحقوق النصيحة، كل أولئك من المؤثرات الكبيرة في استقامة المجتمع وصلاحه، وإذا عزلت هذه المؤثرات عن دورها وجرى استيراد قانون أجنبي لا يتلاءم معها فهذا من أسباب الفساد المشرعة مهما وصفت تلك القوانين باسم الإصلاح.


(١) انظر: التفكير الإصلاحي في تونس في القرن التاسع عشر إلى صدور قانون عهد الأمان، رشاد الإمام (١٨٤).

<<  <   >  >>