للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صلاح يتوخاه البشر في سياساتهم وتدبيراتهم إلا جاءت الشريعة بما هو أتم منه وأكمل؛ لأنها من عند الله تعالى، والله جل جلاله عليم يعلم ما هو الأصلح لعباده، وهو خبير بأحوالهم الظاهرة والباطنة، وهو لطيف بهم يسبب لهم الخير من حيث لا يعلمون، وهو حكيم يضع الأشياء في محالِّها بحكمته وعدله ولا يدخل تدبيره خلل ولا زلل، وهو رحيم يرحم خلقه ويبصِّرهم ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ويمكن لهم أسباب مصالحهم برحمته التي وسعت كل شيء، وهو محيط لا يخفى عليه شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وهو جميل يحب الجمال فأفعاله كلها خير ومصلحة وعدل ورحمة، وشريعته شريعة الجمال والجلال، وهو يحب منا أن نتقرب إليه بالجميل من الأقوال والأفعال والأخلاق، وهو رفيق في أحكامه وأمره ونهيه، لا يكلف عباده ما لا يطيقون، ويتدرج بهم من حال إلى حال من رفقه ورأفته بهم، وهو سلام سالم من كل عيب ونقص، وكذلك شرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم، وهو قيومٌ قائم على كل نفس بما كسبت وكل مخلوقاته فقيرة إليه ولا غنى لخلقه عنه طرفة عين.

والشريعة التي هذا وصفها لا بد أن تشتمل على أسباب الصلاح كلها، وإدراك هذه الأسباب وفهمها وتحقيقها في واقع حياة الناس موكول إلى اجتهاد أهلها الذين جرى تكليفهم بها، وما يحصل من خلل في حياتهم وفساد في شؤونهم فذاك راجع

<<  <   >  >>