للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وسواهم، وامتزج الفقه بعلوم الأمة وصنائعها ووظائفها ومؤسساتها، على نحو يمكن تقريبه بامتداد الإدارات القانونية في المؤسسات الحديثة بحيث تختص كل إدارة بطبيعة عمل الدائرة التي هي فيها، ونحن إذا قلنا بوجوب تحكيم الشريعة في كافة أعال الدولة فمن ضرورة ذلك مشاركة الفقيه وقربه من هذه الأعمال بالآليات والإجراءات التي يقتضيها الحال والزمان (١).

لقد كان الفقهاء في السابق يطالبون الفقيه أن يكون له اطلاع ومشاركة ذات تنوع في المعارف والفنون المختلفة، ومما يعيب الفقيه لديهم أن يكون منقطعًا إلى الفقه عن تحقيقه في واقع الحياة باطلاعه على معاشات الناس وأحوالهم وعلومهم التي بها قيام أمرهم، ولئن كان في العصور المتأخرة من يطالب الفقيه بشيء قريب من ذلك (٢)، إلا أن تنوع العلوم والمعارف ودقة التخصصات في هذا الزمان بلغت مبلغًا تجهد متابعته المتخصص نفسه فضلًا عن سواه، ومع ذلك فلا أقل من أن يقف الفقيه على أرض صلبة من المعرفة الإنسانية والطبيعية والطبية ولو بالقدر الذي يكفل له فهمًا عامًا لأحوال الاجتماع والحياة، ثم بالقدر الذي يتعلق بالحالات والوقائع التي يتصدى لبيان الحكم الشرعي لها (٣)، وعليه أن يكون دائم الاستحضار للواقع وما يقتضيه من


(١) انظر: تكوين العقل العربي، د. محمد عابد الجابري (٩٧).
(٢) انظر على سبيل المثال: مناهج الألباب المصرية، رفاعة الطهطاوي (٢٤٨).
(٣) انظر: العلماء بين عزلة التخصص وتكامل المعرفة، د. علي القريشي، مجلة المسلم المعاصر (٨٩: ١٠١).

<<  <   >  >>