للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عالمًا حقيقة لا مجازًا، ومن يجوز له الفتيا عند العلماء)، وساق فيه من النصوص والآثار ما يؤكد المعنى آنف الذكر. وقد قال مجاهد (ت ١٠٤ هـ): (الفقيه من خاف الله عز وجل) (١)، وقال مطر الوراق (ت ١٢٩ هـ): سألت الحسن (ت ١١٠ هـ) عن مسألة فقال فيها، فقلت: يا أبا سعيد، يأبى عليك الفقهاء ويخالفونك، فقال: (ثكلتك أمك مطر! وهل رأيت فقيهًا قط؟ وهل تدري ما الفقيه؟ الفقيه الورع الزاهد الذي لا يسخر بمن أسفل منه، ولا يهمز من فوقه، ولا يأخذ على علم علمه الله حطامًا) (٢).

وهذه الإشارات من هؤلاء السادة لها دلالتها التي لا ينبغي أن تغفل، فإن استقامة الفقيه وخشيته لله تعالى سبب من أسباب توفيقه وسداده، وهذا أمر لا ينبغي إغفاله في منظومة المعرفة في الإسلام، وقد أشار الإمام أحمد (ت ٢٤١ هـ) إلى هذا لما سأله سائل: من نسأل بعدك؟ فقال: سلوا عبد الوهاب- يعني: الوراق- مثله يوفق لإصابة الحق (٣).

وقد أفاض أبو حامد الغزالي (ت ٥٠٥ هـ) في هذا المعنى ضمن حديثه عن تبديل ألفاظ العلوم فقال: (اللفظ الأول الفقه، فقد تصرفوا فيه بالتخصيص لا بالنقل والتحويل، إذ خصصوه بمعرفة الفروع الغريبة في الفتاوى، والوقوف على دقائق عللها،


(١) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، باب من يستحق أن يسمى فقيهًا (١٥٤٧).
(٢) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي، باب ما جاء في ورع المفتي وتحفظه (١٠٦٧).
(٣) طبقات الحنابلة، ابن أبي يعلى (٢/ ٢٠٢).

<<  <   >  >>