للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

واستكثار الكلام فيها، وحفظ المقالات المتعلقة بها، فمن كان أشد تعمقًا فيها وأكثر اشتغالًا بها يقال هو الأفقه.

ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول مطلقًا على علم طريق الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب. ويدلك عليه قوله تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: ١٢٢]. وما يحصل به الإنذار والتخويف هو هذا الفقه، دون تفريعات الطلاق والعتاق واللعان والسلم والإجارة، فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف، بل التجرد له على الدوام يقسِّي القلب وينزع الخشية منه كما يُشاهد الآن من المتجردين له)، ثم قال: (ولست أقول إن اسم الفقه لم يكن متناولًا للفتاوى في الأحكام الظاهرة، ولكن كان بطريق العموم والشمول، أو بطريق الاستتباع، وكان إطلاقهم له على علم الآخرة أكثر، فثار من هذا التخصيص تلبيس بعث الناس على التجرد له، والإعراض عن علم الآخرة وأحكام القلب، ووجدوا على ذلك معينًا من الطبع، فإن علم الباطن غامض، والعمل به عسير، والتوصل به إلى طلب الولاية والقضاء والجاه والمال متعذر، فوجد الشيطان مجالًا لتحسين ذلك في القلوب بواسطة تخصيص اسم الفقه الذي هو اسم محمود في الشرع) (١).

فالفقه في أصل استعماله إنما هو فهم الدين كله، بأصوله


(١) إحياء علوم الدين (١/ ١٢٠ - ١٢٤)، وانظر كلامه في: فاتحة العلوم (٦).

<<  <   >  >>