للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أصنافها ما يجب ترجيحه، ويقدم منها ما يحق تقديمه، ويلزم المتحاكمين إليه أن ينتهوا إلى ما يوجبه الحكم لهم، ولا يرضى ببغي إن ظهر منهم. فإن كان علم القضاء فقهًا كما يحتاج القاضي إليه من الفهم والفطنة والذكاء والخبرة، فعلم التذكير مثله؛ لأنه في هذا المعنى شكله. وبعد هذا فكيف ينفر الناس عن علم القصص وهو من براهين النبوة وأعلام الرسالة، إذ يقول الله عز وجل: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩]. هذا وقد سمى الله عز وجل القرآن قصصًا، قال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: ٣]، وقال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران: ٦٢]، وإنما الاقتصاص إذا الخبر على وجهه [كذا]، فسواء كان المخبر عنه أنباء الأولين أو الحكام أو أحكام ما شرع للآخرين فكل ذلك قصص. والفقه محتاج فيهما إليه؛ لأن به يدرك مقاصد الاقتصاص، وبإدراكها يتميز العام عن الخاص) (١).

فالحليمي هنا ينبه إلى ملحظ مهم، وهو أن الفقه كما أنه يُنص على اشتراطه في بعض الوظائف الشرعية كالإفتاء والقضاء، فهو شرط في سائر الوظائف كالوعظ والتذكير والقصص ونحوها.

وهذا الذي يشير إليه له أثره الكبير في إصلاح التصورات والمفاهيم الشرعية، فإن وظيفة الوعظ لها أثرها البالغ على مفاهيم


(١) المنهاج في شعب الإيمان (١/ ١٣).

<<  <   >  >>