للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الناس وتصورهم، وما أكثر ما يؤدي تولي الجهلة وتصدرهم لهذه الوظائف إلى فساد كبير. وهذا أمر طالت شكوى الفقهاء منه قديمًا وحديثًا، وقد أدى تعرض الجهال لها إلى الزهد فيها وانصراف الفقهاء عن توليها وحضورها، وأصبح اسم الوعظ من الأسماء التي يترفع الفقيه عنها مع أنها من وظائف النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كما قال الله جل جلاله: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: ٦٣]، والواعظ يصادف في الناس حال رقة وتأثر واستعداد لتقبل المفاهيم والتصورات، ومن هنا كان إصلاح الوعظ من أغراض الإصلاح الفقهي العام.

يقول ابن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ): (كان الوعاظ في قديم الزمان علماء فقهاء، وقد حضر مجلس عبيد بن عمير عبد الله بن عمر رضي الله عنه وكان عمر بن عبد العزيز يحضر مجلس القاص، ثم خسَّت هذه الصناعة فتعرَّض لها الجهال، فبعد عن الحضور وعندهم المميزون من الناس، وتعلق بهم العوام والنساء، فلم يتشاغلوا بالعلم وأقبلوا على القصص وما يعجب الجهلة وتنوعت البدع في هذا الفن) (١).

فالفقه إذًا هو الملكة التامة التي تمكن صاحبها من الاقتدار على فهم الشريعة وإدارة الحياة بهداياتها (٢)، واختصاص علم


(١) تلبيس إبليس (١٢٣)، وانظر كلام الراغب الأصفهاني في: الذريعة إلى مكارم الشريعة (٢٥٥).
(٢) مصطلح الملكة التامة من المصطلحات التي يستعملها ابن خلدون في مقدمته، وأصلها عنده قوة فطرية عامة، ثم تحصل جزئية في علم ما باكتساب قواعده والدربة عليه، بحيث يكون لصاحبها طبع الفلسفة، وهي نادرة في الناس. انظر: المقدمة (٥/ ٨٤) (٥/ ٢٨٠)، أليس الصبح بقريب، ابن عاشور (١٤٧).

<<  <   >  >>