للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يحصى، وما استنسخ من هذه الكتب بمختلف أنواعها يستحيل استقصاؤه، بل إننا نكاد نجزم أنه إلى عهد قريب، لم يكن يخلو بيت من البيوت المسلمة من الخليج إلى المحيط، بل وفي أعماق كل من آسيا وأفريقيا من كتاب في الفقه، وبعبارة أخرى أنه ما من مسلم كان يحسن القراءة بالعربية إلا وكان على اتصال مباشر بكتب الفقه. وإذن فالفقه من هذه الناحية كان أعدل الأشياء قسمة بين الناس في المجتمع العربي الإسلامي، ولذلك كان لا بد أن يترك أثره قويًا فيه، ليس فقط في السلوك العملي للفرد والجماعة- الشيء الذي يستهدفه أساسًا- بل في السلوك العقلي أيضًا؛ أي: في طريقة التفكير والإنتاج الفكري) (١).

والذين يصفون علم الفقه بأنه علم الجزئيات أو أن الفقهاء منشغلون بها انصرفت أنظارهم إلى أفراد المسائل الفقهية في مصنفات الفقه ومدوناته، وغفلوا عن طبيعة علم الفقه ونشأته وغاياته وآثاره. والفقه بطبيعته من علوم الحياة، وحاجة الناس إليه موفورة، فإن المسلمين حريصون على مشروعية أفعالهم، فيكثر سؤالهم للفقهاء عنها فيجيبونهم عليها، ومن هنا تنشأ المسائل والأحكام. أما كثرتها وتشعبها فذلك عائد إلى كثرة أسئلة الناس وتشعبها، وإذا طالعنا كتب الطبقات والتراجم فإننا نلاحظ أن الكثير من مدائن المسلمين ربما خلت من عالم باللغة أو عالم


(١) تكوين العقل العربي (٩٦).

<<  <   >  >>